الاعلام الحر بين الواقع والمامول
ظهرت الممارسات الحكوميه في عالمنا العربي ضد الصحافه المستقله والفضائيات الي السطح بعداحداث تلك الوسائل الاعلاميه حراكا مجتمعيا كبير في السنوات الاخيره وأصبحت تلك الوسائل الإعلاميه في خط المواجهة معالأنظمه فالإعلام العربي يرزح تحت أحمال متراكبة من دوائر القمع تشل حركته وتقعده عن التقدم. فهناك أولاً القيود التي تفرضها الحكومات علي الاعلام في بلادها، وهناك قيود التجزئة العربية التي تقطع أوصال السوق وتمنع الكتاب والصحيفة من الانتقال من بلد الي بلد الا بشق الأنفس. ثم هناك تحديات التخلف التقني ونقص الامكانيات.
وقد اجتهدت عبقرية الاعلاميين العرب في ابداع حلول لهذه المعوقات، وذلك عبر اللجوء الي الملاجئ الآمنة كما في بيروت الستينات، ثم أوروبا بعد ذلك. ولكن هذا الهروب لم ينقذ الاعلام العربي من أزمته، بل أدي الي تعميقها. ذلك ان الأزمة لاحقت الاعلام العربي في ملاجئه الجديدة، أولا لأن القراء والمتلقين ما زالوا في العالم القديم، والوصول اليهم لا بد ان يتم عبر الحكومات التي تم الفرار من قبضتها. وثانيا لأن ثنائية الطفرة النفطية ومعادلات التكلفة العالمية للانتاج الاعلامي في اوروبا جعلت من الصعوبة بمكان علي أجهزة الاعلام التي لا تعتمد علي التمويل الخارجي ان تصمد في السوق. وثالثاً لأن الانقسامات والتحزبات جعلت من الصعب اقامة مؤسسات اعلامية مستقلة غير متحيزة لهذا الطرف أو ذاك. وأخيرا لأن البعض رفض التخلي عن عاداته القديمة، واختار الالتصاق بالواقع المفترض الهروب منه.
وقد نتجت عن هذه الاوضاع الحالة التي اطلقنا عليها في وقت سابق عصر الظلام في العالم العربي، ويتميز هذا الوضع بمميزات فريدة لا مثيل لها في خارج عالمنا، فبينما يهاجر الكتاب والاعلاميون من دول العالم الثالث الاخري للبحث عن الحرية في الغرب، نجد النسق السائد عربياً هو التهافت علي مراتع العبودية، والتزاحم علي مقابر الصمت المسماة اجهزة اعلامية، حيث يدثر الكاتب في أكفان من الحرير تزفه من مقابر الاحياء الي مقابر الاموات دون ان يلاحظ احد الفرق.
وقد أدرك اهل الشأن هذا فقاموا بتقديم المغريات للإعلاميين، ويكيلون التهديد والوعيد للقلة التي لم تقبل الانصياع الكامل. ولم تكن بعض الانظمة تكتفي بالتهديد، فكم من اعلامي لقي مصرعه في شوارع لندن وباريس او بيروت أواختفي في شوارع القاهره اوسحل لمجرد ابدائه رايا يخالف توجهات النظام وكم من زج بهم في سجون الانظمه القمعيه. ولكن السيف الأكبر المسلط علي رقاب محاولات اقامة مؤسسات الاعلام الحر في المهجر وغيره كان ولا يزال محاولات الخنق المالي عبر الحرمان من التوزيع ومن الدخل الاعلاني.
وخلال العقدين الماضيين توصلت الأنظمة العربية الي ما يشبه الاجماع علي ما يمكن ان يسمي بالقمع التعاوني . فبينما كانت الانظمة حتي نهاية التسعينات تسمح لخلافاتها بان تؤثر في سياساتها الاعلامية، وظلت تتخذ من التراشق الاعلامي وايواء المعارضين وسيلة للضغط علي الخصوم، فان الجميع سرعان ما اكتشفوا ان الخير في التعاون. ولهذا لم تعد الانظمة تسمح لاعلامها بمهاجمة اي نظام عربي آخر مهما كان معاديا. واصبح انتقاد اي نظام عربي آخر مهما كان معاديا يعاقب بمثل عقوبة انتقاد نظام البلد نفسه. وبالمثل فان المعارضين المطلوبين لأي بلد عربي آخر يسلمون بدون النظر الي ما ينتظرهم من مصير مظلم واخيروبالرغم من ان حكومات الوطن العربي تكره الوحده العربيه اوتوحيد الراي في اي قضيه تهم شعوبهم فقد اتحدت الحكومات العربيه علي تقنين تشريعات تحت مسمي وثيقةالاعلام العربي تكبل الوسائل الاعلاميه وتضعها في كفن اوهام الاجهزه السلطويه.
اذا هناك اجماع علي اسكات كل الاصوات الحرة والمعارضة علي اختلاف توجهاتها وفي كل المنطقة العربية، بل وخارجها، وفي هذا الاطار تأتي الحملة علي الجزيرة والصحف المستقله والمدونين وحتي مستخدمي الموقع الشهير الفيس بوك كمحاولة لاسكات الاصوات النشاز التي تغرد خارج سرب الطاعة والامتثال.
ولا يمكن لمثل هذا الحصار الا بضرب حصار علي المجتمع المدني بكامله. فحجب الاعلان عن الصحف لا يعني فقط استهداف حرية وسائل الاعلام، بل ايضا حرية المؤسسات الاقتصادية في اتخاذ قراراتها التجارية بناء علي تحري المصلحة والفعالية. بمعني آخر هناك ممارسة للحجر علي حرية التجارة والتبادل الاقتصادي اضافة الي العدوان علي حرية الحديث وحرية الاستماع.
ولكي يخرج مارد الوطن العربي من القمقم الذي يريد البعض حبسه فيه الي الأبد، فلا بد من ان تتحرك كل قطاعات المجتمع المدني لتكسير الاغلال التي تكبل المجتمع وتمنعه من النهوض والتقدم. ولعل البداية تكون بدعم منظومة الاعلام الحر وتقويتها وافشال محاولات خنقها. وهذا يعني من جهة كسر كل الحواجز التي تمنع الرأي والخبر من الوصول الي القارئ، وقد تكفل الانترنت بهذا الأمر الي حد كبير، حيث ظهر جيل جديد حر من الكتاب واصحاب الراي من خلال التدوين وراينا في مصرتجربه فريده من نوعها تظهر لاول مره في العالم وهي تجربة استخدام واسع ومنتشر للانترنت فينقل المعلومه وتبادل الراي ونشر الخبر فقد حمت تلك التجربه قوي المعارضه في مصر من بطش مؤكد من النظام من خلال نشر قضايا تعذيب ونقل اعتصامات ومظاهرات لتلك القوي بسرعه فائقه تغلبت علي باقي وسائل الاعلام التقليديه اصبح بمقدور القراء والمشاهدين الوصول الي الخبر رغم انف الرقباء.
ولكن تبقي مع ذلك مشكلة التمويل، وهي ضرورية لقيام واستمرارية اجهزة ووسائل الاعلام الحرة التي تساعد المجتمع علي التحول الديمقراطي والنمو وفي اعتقادي ان الانترنت هو اهم الوسائل الاعلاميه المتطوره في التاثير في المجتمعات فموجة الانترنت ضربت عالمنا العربي وزاد الاقبال علي تعلمه واستخدامه الي عشرة امثال النسبه التي كانت عليها قبل عام 2003وبمقدورناان نوحد الجهود من اجل الاستفاده المناسبه منه فهو ضرورهلتحول الديمقراطي والتنميه والثقافه والمعرفه والتجاره والتسوق كل شيء متاح ولكن بشرط توجيد الجمهود من خلال حملات توعيه وتعليم وتوجيه الي الايجابيات اوالسلبيات وهوما سيحفز المستخدم لمعرفة الحقيقه بنفسه ان بناء جيل من مدونين متحضرين هوكفيل بحمايةحقوق الانسان دفع المواطن علي المطالبه بحقوقه وعدم التخلي عنها اننا نطالب المجتمع المدني بزيادة مشاريع محو أمية الحاسب الآلي فهي ضروره ملحه يقتضيها الحال العربي الانعلينا جميعا التركيز عليتقديم الدعم الفني والتقني وتبنيقضايا هذا الجيل الرائع من المدونين العرب اصحاب الكتابات المؤثره والتي ادت الي شيوع ظواهر ايجابيه ظل الجميع غير قادر علي تحقيقها سنوات طويله .
اننا كعرب نطيل التباكي علي ما نحن فيه من تخلف وتغيب متعمد عن التأثير الفاعل في عالم اليوم، وينحي كل منا باللائمة علي غيره فيما وصلنا اليه من تدهور للاحوال لا نتخيل ان دونه قاعا حتي نكتشف بسرعة اننا كنا مخطئين، ولكن مهما كانت المسؤولية المباشرة عن هذه الاوضاع، فان هناك اضافة الي ذلك مسؤولية تضامنية لا يخلو منها فرد. فالسكوت عن الاوضاع، او التخاذل والتأخر عن التحرك لتغييرها هو من قبيل المساهمة الفاعلة في ابقاء الاوضاع علي ما هي عليه. وقد يكون هناك عذر في السكوت او القعود حين تكون البدائل المطروحة هي السيئ والاسوأ، مثل التورط في اعمال العنف، او المخاطرة في مقاومة سلمية عواقبها لا تقل خطورة عن العنف في ظل انظمة لا تراعي في معارض ذمة.
ولكن المساهمة في دعم الاعلام الحر تخلو من كل هذه السلبيات، وتتيح لكل فرد مهما ضعفت قدرته المساهمة في عمل ايجابي وخلاق بدون التعرض الي مجازفة شخصية كبيرة. وهي عمل ميسر ومتاح (او من الممكن ان يصبح كذلك) لكل من شاء.
هناك إذن مسؤولية تضامنية باتجاه ارساء اسس منظومة الاعلام الحر والمبدئي والملتزم اخلاقيا، تبدأ من انشاء المؤسسات والوسائل الاعلامية الحرة، ثم اتاحة المجال للقراء بالمساهمة فيها بالدعم والكتابة والتقييم والتقويم. ثم تأتي بعد ذلك مسؤولية القراء وقادة المجتمع المدني من ناشطين ورجال اعمال وغيرهم للاستفادة الكاملة من فرص المشاركة والمساهمة المتاحة هذه. واذا قام كل بمسؤوليته فلن يطول بنا الوقت لنشهد انقلابا طال انتظاره في اوضاعنا العربية.