[b][color=#333399][font='Mudir MT']رذاذ!![/font][/color][/b]
[color=#333399][font='Mudir MT']مطر هل وأطل ، بلل جوف الأرض ونثر على محياها بسمة طال انتظارها ، والرذاذ الذي حطّ على جنبات الجدران ترك تداعياته على خبايا الروح ، فليس أجمل من أن تكون هناك إطلالة بعد غياب ، وعودة بعد رحيل ، فها هو الشتاء يطل بكبرياء لا على استحياء ، فهو ضيف مرحّب فيه أنى كان موعد قدومه .
رذاذ تناثر ، والأرض تأهبت لاستعادة بريقها ، والغبار الذي تراكم وجثم على صدر الورود بات مجبرا على مغادرة هواجعه ولملمة أوراقه ، والانسحاب التدريجي ليترك للرذاذ فسحة من المكان ليتوطن فيها ، ويستوطن دون انقلاب وبهدء وسكينة.
رذاذ على النوافذ ، وفي كل مكان ، هو بداية لعهد جديد ، حد فاصل بين زمنين ، هنا تتوحد الأمكنة وتغدو الطبيعة هي من يؤرخ لتتابع الأزمنة وجريانها ودورانها .
رذاذ يعبر عن عفوية وتلقائية ودون برمجة أو إعداد ، فوحدها مشيئة الباري هي التي تتحكم وتفاجئ و تعلن أن كرم الخالق غير محدود ، فالرذاذ يؤصل لمواسم الخير والبركة.
رذاذ لم يتأخر بل أطل حيثما كان يجب أن يطل ، وخيط التواصل بين السماء والأرض تداعى ، والبذور التي ظلت بمنأى عن كل اهتمام باتت تشعر أنها قاربت العثور على ذاتها بعد أن كانت أو كادت تتلاشى .
في غمرة الرذاذ وتداعياته ، تطل الروح باحثة عن ملاذ ينحو بها نحو شواطئ الأمان ، ونسجل أن الوقت ما زال مواتيا لتستعيد الأرض عافيتها وهي التي لم تدخل في غيبوبة لثقتها بأن الرذاذ آت وإن تأخر .
وهكذا تتواصل الفصول وتتداخل المواسم ، وترتسم دورة الزمن على محيانا ، تماما كالأجيال ، تتابع وتوريث وتواصل ، وفي خضم كل هذا نطل على ذواتنا محاولين استكشاف ما تناثر داخلها من رذاذ الحيرة .
فصل ينقضي وآخر يأتي ، هي أيام لا تعترف بحدود فاصلة ، فهي تتشابك كما الأيك ، وتتداخل كالحلقات ، ويظل علينا أن نستكشف ما يتوسط وشائجها من خيط ناظم
شهر تلو شهر ، تتبدل المواقع ما بين الحر والقر ، وكأنها جولة تعبر عن كرّ وفرّ ، تأتي المواسم مبشرة ويظل فينا من لا يقابلون الجديد الوافد بأي نوع من الترحاب ، فرذاذنا المتناثر يفك طلاسم الأرض وجفاء الرمال لكنه يظل عاجزا عن فك طلالسم أنفس ظللتها غمامة البؤس والتبرم .
يأتي الرذاذ ليعلن لحظة التحول ، وفينا من لا يفارق نمطيته ولا يحاول مغادرة الربوة القاحلة التي وسمت حضوره ، فبات والجمادات سواء.
رذاذ ذو هيبة ووقار
ذو حضور وباقتدار
هو الفسحة التي تطل علينا من بعيد لتعاود التأكيد بأن الحياة مستمرة .[/font][/color]